وحجم الدموع لن نستوعبه لأن شبر الصبر الأخير تقاسمه الموتى بعد ضرب القداح
شجرة الأرز يا بيروت تلتحف رمادها كي تلون فسيفساء الخراب وتعجل بإعدام القمر
وتعاود حضن الذين أحترقوا كي يتكثفوا من جديد
ويشيدوا قلاع موتهم المحشوة بالسحاب
يا بيروت لم أجد جنس الكلمات التي تطيق إنتشال أصحاب الأخدود من قواميس الثقلين
لم أجد إكليل الزهور الذي يصنع عطره دون ربيع وورود
لم أجدني ولم أجدك ولم نجد بعضنا اللذان تاها في الضباب
مقاس الحزن أوقف الأرض ليقفز إلى المريخ
ليأكل بعضه وبعضنا قبل البيضة والتفريخ
ويضطهد جميع الأوراق التي تفرق حبرها المقدس في الكتاب
لبنان ماذا يجري
نحن نجري والدماء تجري والوقت يجري
والجري واقف فوق سخرية القدر
ينتظر إشارة الإنطلاق كي يسترق ما تبقى من قبس عربي
ويذبحه ليلة عرس الحمامة والغراب
الليلة العربية خامرت عظامنا
الليلة العربية الشمطاء لا تريد وصول الصباح
تتيمم رغم الماء
وتصلي نحو اليسار في ركعة جهرت بطلاسمها
كي تحضر شياطين الأرض والكلاب
قنبلة هنا وقنبلة هناك والحصيلة قنابل
ويل لعرب من شر إقترب بنكهة دخان ومزابل
بنينا بأشلائنا برجا عانق الشمس ظهرا
وولد بنينا وحفدة عصرا
والدمية المسكينة تذرف مع لجان التحقيق دمعا هتونا
وتعربد ليلتها مع فتنة القانون وهمز النواب
لبنان إنا لله وإنا إليه راجعون
والذين ليسوا لله ولا له يرجعون
سنحاول أن نكتشف سر الخلود في جيناتهم
سنحاول أن نكشف سر الشر في أعماقهم
ونترك عقيدتنا ترتاح قليلا
من الدسائس التي أزهرت في ربيع الإنقلاب
مقاس الحزن يا بيروت تعدى زمكانه إلى اللاوقت واللاوطن
لم تعد الحباحب قادرة على هظم المشاهد المتورمة من كتاب البؤساء
ضاعت حقيبتي تحت إيقاع البنادق وكلاب الصيد
ولم يعد الحبر يعني للقلم ذاك المساء المتضخم الصدى
كل البراهين إستلقت على سكة القطار تنتظر غطس العجلات
عشية الهروب الأخير للعرب من وعيهم الفاقد للوعي
عشية الهبوط الإظطراري في تخوم الخيبة والإكتئاب
سامحينا بيروت على سهام الصمت
فقد طال الفاصل الإشهاري حين لبث الف سنة وما زحزح عن القيامة والعذاب
سامحينا يا بيروت فلم نعد نقوى على تردد الجمال العالي
بعدما سال لعاب النصل الهمجي
سامحينا فنحن مجرد أحياء لم يقتلو بعد معنى التقليد لحياة الحياة الحمقاء
نحن الذين لم نحب يوما بالونات الهواء الحمراء والحلوى
لم ترق لنا صغار القطط وحكاية سندريلا
وهدوء سنان في الغابة الخضراء
فجئنا بلفيف من الحمقى إليك يجرون سكة المحراث والدواب
كنا نغار منك يا بيروت وأنت ست الدنيا
كنا ننتظر أقحوانك بفارغ الصبر في فوهات التلال
نتسلق السحاب حتى نرى بيروتنا
ونرى حسن الملائكة في خدود وصيفات النجوم
نجوع ونعرى في يوميات أوطاننا
ونحلم في بيروت بعروس وصبي وبعض طعام وشراب
سامحينا بيروت إن إحترقت اليوم بين حروف الويل
أو حولوك إلى منفى الكلمات خارج إقليم النحو والإعراب
خالد فريطاس الجزائر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق