الاثنين، 9 نوفمبر 2020

التكافل القروي
قصه حقيقيه

      كنت في العاشره من عمري تقريبا وكنت مولعا ايامها بتربية الكلاب اجلكم الله واللعب معها خاصة وان بيتنا كان يقع في اطراف البلده وتحيط به الاشجار والبساتين ، وحسب عقيدتنا الاسلاميه فقد كان محرما علينا ادخال الكلاب الى البيوت لذلك فقد كانت تلك البيئه مناسبه جدا للاحتفاظ بالجراء واللعب معها في العراء وبين الاشجار.
   كنا أطفال ايتام ووالدي رحمه ألله توفي قبل تلك الايام بسنوات قليله لكن والحمد لله وبرغم عدم وجود اي دخل ثابت لنا الا اننا وبفضل من الله فقد عشنا حياه كريمه مرفهه نوعا ما مقارنه بحياة الكثيرين من اقاربنا، وبفضل الله ثم بفضلهم، حيث كان التعاطف والتكافل موجودا بابهى صوره ،وفي المناسبات والاعياد وعند بداية السنه الدراسيه كان يتخاطفنا تجار البلده ويغرقوننا بالملابس والهدايا وبكل اللطف والرافه والحفاوه ،وكيف لا وقد كانت ثقافة العطف على الايتام واغلب الاخلاق الحميده متكامله عند الناس بأصولها وممارستها.
          نعود الى موضوع الجرو ، فقد حصلت عليه لا أذكر كيف واحضرته الى البيت وبنيت له بيتا جميلا تحت شجرات الاسكندنيا المقابله لبيتنا حيث كنا نجلس ونقضي اغلب وقتنا تحتها لما في تلك الجلسه من هواء عليل وظل ظليل .كان يبعد عن الاسكدنيا شجرة برتقال وشجرة ليمون تضيفان بروائحهما الزكيه سحرا للمكان .كانت الجلسه رائعه دائما وحتى ضيوفنا واقاربنا كانوا عندما يزوروننا يفضلون الجلوس في ذلك المكان الجميل .
             بنيت البيت لجروي اللطيف ووضعت له وعاء للماء وشيئا من الطعام ،ولكن ومع الايام اصبح إطعامه مشكله، فهو لا ياكل اي شئ يقدم اليه، .وبعد معاناه هداني تفكيري لاذهب الى محلات بيع الدجاج والنتافات في البلده لاجلب من عندهم ما يتم القاءه في النفايات من ارجل الدجاج وامعائه.
كان في وسط سوق البلده محل لابناء عم لنا، كانوا يبيعون بذلك المحل الدجاج وبمحل صغير اخر بجانبه كانوا يبيعون الخضروات .فذهبت اليهم ودخلت المحل، وبسبب صغر سني وبسبب الطلب الغريب الذي ساطلبه فقد ارتبكت وعندما رحبوا بي وسالوني عن غايتي تلعثمت في الكلام قليلا ولكني تكلمت واوضحت لهم رغبتي بالحصول بقايا الدجاج وغفلت ان اذكر انها للكلب . 
      نظرا الي نظرة كلها عطف وحنان وقال لي احدهم : تمام يا عمي اذهب وعد بعد قليل ..وفعلا غادرت فرحا بان طلبي سينفذ . 
    تركتهم وبعد ساعه تقريبا عدت وفي خجل تقدمت ودخلت الى داخل المحل وسالت عن طلبي .
 ضحك لرجل في وجهي ووضع يده على راسي ثم تناول كيسا كبيرا واعطاه لي قائلا : اهلا بكم يا ابني وكلما احتجتم فقط تعال ولا تخجل .
حملت الكيس وانا لا اكاد اقوى على حمله وتوجهت للبيت واعطيته لامي رحمها الله لكي تهيئ الأمعاء وتفرغها من محتوياتها حتى يستطيع الكلب تناولها . وفي إستهجان سالتني عن الكيس وما فيه فأخبرتها بالقصه .
ففتحت والدتي الكيس ويا سبحان الله ،فقد كان فيه كل شئ الا الامعاء والأرجل. لقد وضعوا دجاجتين وشئ من الخضروات وقليل من الفاكهة .لقد ظنوا باننا ولاننا ايتام سوف ناكل تلك البقايا فما هان عليهم ذلك وتحركت قلوبهم ونخوتهم فقدموا ما استطاعوا ..جزاهم الله خيرا.
د.خالد الياسين حمارشه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مدينة الحب.. .................. مدينة محاطة بسياج  من وردات الياسمين رائحة ذكية تنشر شذاها  بعبق الرياحين  وجوه مبتسمة ليست بعابسة  وأيادي ت...