هوية المكان في الذاكرة
قبل ٣٠ سنة كنا في رحلة إلى سوريا بالباص من ضمن الذين معنا كبار بالسن، أحدهم فلاح لم يسبق له أن خرج من الاحساء، اعتاد على الزراعة وعاش بين النخيل والخضرة، لا يرى في الحياة إلا الأرض الزراعية والنخيل، ذكرياته لا تتجاوز المساحة المزروعة، يستمتع بكل ما يتعلق بالتربة وما يخرج منها من شجر وما تنبت من ثمار، أول ما دخلنا سوريا لفت نظره اراضيها الزراعية تحركت الذاكرة وتفاعل مخزون الذكريات مع ما رأى من المزروعات واللون الأخضر الذي يكسو الأرض، لاحظت عليه الاستمتاع بالنظر إلى الأراضي الزراعية ويكرر كلماته العفوية المعبرة عن حبه لكل بقعة خصراء : الله الله أيش هالزرايع والخضرة والشجر متى يسقوها...
هذه طبيعة كل إنسان يستمتع بما يحب ويعمل فيه برغبة، علامات المكان التي يعيش في كنفها ينقلها بذكرياته الجميلة إلى أي مكان سفرا وسياحة، علامات المكان هي التي ترسخ وتسبق عيون الفرد، ملامح المكان الساكنة في الذاكرة تحدث الشخص بشكل لا إرادي وتتحرك طبيعته وعلاماته وآثاره في ذهنه ، هذا الفلاح نقل هويته الشخصية وانتمائه للأرض إلى الموقع المشابه لمكانه الذي تربى فيه وعاش فيه، الذكريات مع الأرض الزراعية شكلت جزء من هويته وخصوصا أنها مصدر رزقه، يمارس ما يحب ويهوى، كل فرد يثيره ويحاكي ما يهواه، يرى في علامات المكان المشتركة ارتباط بشخصيته.
الزراعة من أهم ما يرتبط به الإنسان التي تشكل هويته الشخصية الاجتماعية والوطنية لا سيما إذا كانت مصدر الغذاء والنمو والرزق، الفلاح خير من يمثل الارتباط بالأرض وتترسخ هويته بها الذي ينتمي اليها، عقله وقلبه يحاوران علامات المكان وإيحاءته فيشتغل الحنين اليه.
الهوية الاجتماعية هي وجود وانتماء وارتباط بالأرض وبما فيه، كذلك الجماعة التي يشترك معهم بالخصائص الاجتماعبة والثقافية يساهم معهم في البناء والتنمية، الانتماء للأرض أساس الارتباط بالوطن يتعزز هذا الانتماء الهوياتي بالتاريخ المشترك والتقاليد والعادات والأعراف المعبرة عن الموقع الذي يربط المجتمع بعلاقات معنوية ومادية.
علي الوباري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق