الجمعة، 11 ديسمبر 2020

التشكيل في الشعر العربي 

                              د.نوري حمودي الوائلي

إن تشكيل الصورة الشعرية معضل ولاشك أن تشكيل صورة القصيدة اكثر إعضالاُ وهنا نحن مازلنا في حاجة إلى إضافات علمية لنلقى مزيدا من الضوء عل هذه القضية لماذا يلجا الشاعر الى تشكيل الصورة الشعرية علي نحو مغاير حين يؤثر الرموز دون الحقائق الواقعة وصياغة التعابير التي تصدر عنها والعلاقات الرمزية المرتبطة مع غيرها ومدي استخدام التأثير البلاغي في الشعر مع استخدام الصورة وتشكيلها وكيفية استكشاف عناصر الشخصية في كل صورة نص شعري فالصورة الشعرية تركيبة غريبة معقدة وهي بلا شك اكثر تعقيدا من اي صورة فنية اخري وامام هذا يقف(هوبلي)برايه مستخدما كلمة صوره كتشكيل ليدل بها علي مجموعة الالفاظ التي يختارها الشاعر لتتجاوب مع عمليته النفسية ف الاختيار هنا نحن نتحدث عن التشكيل يخطر لنا التميز القديم الذي عرف واستفاض منذ القرن الثامن عشر وهذا التميز بين(فن الكلمة) في اي شكل من اشكاله من حيث انه فن زماني كفن الموسيقى وبين الفنون المكانية الصرفة كالرسم والتصوير والنحت وقد اكد الناقد الالماني(لسبخ)الترابط احيانا بين فن التصوير والشعر من حدود رغم الفروق المادية بين التناولين الشعري والبلاستيكي للموضوع الواحد وقد بلور نظريته في اختلاف الاداة التي يستخدمها الشاعر مثلا وهي(الكلمة) عن الاداة التي يستخدمها الفنان( كالألوان والاصباغ) ويثبت( جينورد) ان اللغة وان كانت زمانية في طبيعتها الا انها تحمل في الوقت نفسه دلالات مكانيه حتي اننا لنستطيع ان نعد التشكيل للأصوات الزمانية تشكيلا في الوقت نفسه كحيز مكاني ويقول كلمة مستشفى توضح ما نقصد فالمقطع الصوتي الثلاثي ( مشف) التي تتكون منها الكلمة تدل علي ثلاث حركات كل منها ساكن ومن مجموع هذه المقاطع الثلاث تتكون بنية صوتية تمثل الكلمة لكنها في الوقت نفسه تمثل بنية مكانية او تنقل حيزاً مكانيا له معنى خاص فاللغة في هذا المستوي تشكيل صوتي له دلالة مكانية والشاعر حين يستخدم اللغة للتعبير إنما يقوم بعملية تشكيل مزدوجة في وقت واحد كتشكيل من الزمان والمكان معا لبنية ذات دلاله فاذا كانت الموسيقى تتمثل في التأليف بين الاصوات في ( الزمان ) والتصوير يتمثل بين مساحات(من المكان ) الشاعر هنا يجمع الخاصتين مندمجتين غير منفصلتين فهو يشكل( المكان ) في تشكيلة ( الزمان) او بالعكس وهذه هي من طبيعة اللغة التي يستخدمها الشاعر كأداة للتعبير من أجل النظر إلى امكانيات التعبير اللغوية علي انها تفوق امكانيات التعبير التشكيلي الصرف وتتم عملية التشكيل بتاليه المفردات لذاتها فالقصيدة من حيث هي عمل فني ليست الا تشكيلا خاصا لمجموعة من الالفاظ( اللغة) وهي تشكيل خاص لكل عبارة لغوية سواء كانت شعرية ام غير شعرية وهنا تعد تشكيلا لمجموعة من الالفاظ لكن خاصية التشكيل هي التي تجعل للتعبير الشعري طابعه المميز ويورد ( فايهون بارت ) ان التشكيل في الشعر لا يقصد مجرد الاستعارة الطريفة حين تنقل للدلالة التشكيلية من ميدانها الاصلي في الفنون التشكيلية إلى ميدان اخر اصطلح على تسميته( الفنون التعبيرية ) فعملية التشكيل قائمة في هذه الفنون وتلك علي السواء وكل ما    يمكن استدراك من اختلاف هو ان التشكيل في الفنون التشكيلية حسي في حين أن الفنون التعبيرية وراء الحسي ( بمعنى ان الفنان التشكيلي انما يشكل مادة وينتج عملا كلاهما تتلقاه الحواس تلقيا مباشرا يحدث معه التوتر العصبي الذي تثيره الحواس في حين أن الشاعر رغم أن عمله كذلك تتلقاه الحواس ويحدث التوتر العصبي المنشود بتجاوز المحسوسات من حيث وجودها العياني القائم إلى الرموز المجردة من كل شيء وما للمحسوس فالرسام يؤثر اللون الاحمر مثلا علي اعصاب المتلقي مباشرة لما للون الاحمر من قدرة الاثارة واما الشاعر ذاته فانه لا يستطيع ان يؤثر هذا التأثير الحسي المباشر لانه  لا يستخدم اللون استخداما مباشرا اي لا يقفنا وجها لوجه امام اللون وإنما هو يبعث فينا اللون من خلال الرمز او الكلمة ذات المقاطع الصوتية والمنقوشة علي شكل حروف تتلقاها العين لكن لا تنفعل به الا عندما تعود به صورته المجردة إلى صورته الحسيه المباشرة فالشاعر يقوم بعمله الفني بعملية تشكيل وراء المحسوسات بتشكيل القصيدة كقول الشاعر  محمود درويش  هذا هو اسمك قالت امرأة وغابت في الممر اللولبي أري السماء هناك في متناول يدي وهنا يصح كلام  (الناقد فارس بالعيد ) ان التطابق في الكلام والاحساس يجعله شعرا ويقول كذلك انا التشكيل في اللغة بنوعين زماني ومكاني مع ترتيب لمقاطع الكلمات وما فيها من حركات وسكنات كقول الشاعر( وهيب عجمي) 
أفيقوا يا بني قومي 
وثوروا 
فقد سبق الجياد السمر
 ركب
 ولا تتخاذلوا كونوا رجالا 
كفاكم من عدو الحق صلب 
 أتخشون الركوب علي رياح 
ليحملكم إلى التركيع ضب
وقلنا إن التشكيل المكاني والزماني يندمجان في عملية واحدة فاذا كانت القصيدة ويثبت( هابغل) إن التشكيل الزماني في الشعر هو ما يتصل بالاطار الموسيقى للقصيدة ويوكد ان فكرة الخليل الفراهيدي أصيلة ولها انصار وشاعت واستفاضت وهي تذهب بالطابع النفسي لكل وزن او مجموعة اوزان فبعضها يتفق وحالة الحزن واخري البهجة والفرح وهنا يعبر الشاعر عن نفسه خلال الوزن الذي يريده ويختار كقول احمد شوقي 
              الضلوع تتقد
                                 والدموع تطرد 
             أيها الشجي أفق 
                                  من عناء ما تجد 
 ويقول نفسه بالحزن حف كاسها الحبيب فهي فضة وذهب وياكد( سمير عوصيف) إن الشاعر الحديث تيقن إن بناء القصيدة يجري علي على الهيكل الموسيقى وفيه الصورة الحسيه فمثلا المستمع يسمع قصيدة اجنبية لكن لا يفهمها اقول ما يدركه ما يصادف مسمعه واحساسه وموسيقاه وجماليته وهذا ما يجد التوافق بين الشاعر وذوق واحساس الاخر ويقول( بول شارول)) الشعر والاحساس والنغم هو وسيلة تنشيط الحواس والهابها لان الشعر تقريريا او عقليا هو مدعاة للملل الا ان يتزوج بالخيال والاحساس في تشكيله كقول ( شوقي)
     ضيف الم براسي غير محتشمي 
                           والسيف احسن فضلا منه بالأمم  
وبعد هذا وذاك قمنا بتسليط الضوء على ظاهرة التشكيل في الشعر العربي التي هي من الظواهر المخضرمة علي الأدب والنقد العربيين اسال الله رحمته وعونه من وراء قصدي      بقلم دكتور نوري حمودي الوائلي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مدينة الحب.. .................. مدينة محاطة بسياج  من وردات الياسمين رائحة ذكية تنشر شذاها  بعبق الرياحين  وجوه مبتسمة ليست بعابسة  وأيادي ت...