الثلاثاء، 23 مارس 2021

يوميات سائق
الحلقة الثامنة
تصادف خروجه وآذان الفجر، ظلمة حالكة أسدلت بستائرها وحالت دون وضوح الرؤيا، جو مكفهر وبرد قارس، ولا شيء يوحي بقطرة ماء.
لم يشأ أن يفوت عليه فرصة الظفر بأجر الصلاة وفي حينها؛ فهرول إلى أقرب مسجد.
وعلى بركة الله، انطلق يجوب الشوارع، محاولا جهد المستطاع، تجنب الزحمة والخروج من فترة الذروة بأقل خسارة.
استوقف السيارة على مشارف قهوته المعلومة، ترجل منها ليهرع نحو طاولة اعتاد الجلوس بها؛ وكأن النادل على موعد معه، لم يستبطيء عنه فطوره الكامل؛ مقام لا يحلو إلا باحترام هذه الطقوس.
وكالعادة وموازاة مع تناوله جرعات وقضمات من الفطور، يتصفح عناوين الجرائد، ويسترق النظر إلى ما جد من أخبار على شاشة التلفاز، وعينه يقظة لا تحيد عن السيارة؛ وكأنه يتسابق مع الزمن انا يدركه.
ومن حيت لا يدري، استدعى انتباهه  بأعلى السيارة كيس بلاستيكي وازن ومنتفخ.
هب من على كرسيه، هرول على موقع الكيس، فك رباطه، تفحص محتواه؛ فإذا به عبارة عن رأس حديث النصل لبهيمة من قبيل بقرة او ثور.
شد على رأسه، دارت به الدوائر، حاول استعراض مسارات سلكها من قبل؛ لعله يستشف من خلالها صاحب الكيس... إلا أن ذاكرته أبت أن تطاوعه، وخانته هذه المرة.
فكر مليا، ولم يجد من مخرج سوى أقرب نقطة أمن؛ يودع من خلالها هذا الراس، تماشيا مع ما ينص عليه القانون في انتظار ادعاء أحد بملكيته.
...وكأن الكارثة نزلت على رجل الأمن، ولول ونذب حظه المتعوس، خاف على نفسه من تردي العاقبة عليه وحده دون سواه، والترتيب الهرمي لن يرحمه أبدا؛ مسطرة معقدة تستدعي وعلى الخط، تدخل مصالح عدة من:  نيابة... مجازر....  من شأنها تضع رؤسائه على واجهة حدث، هم في غنى عنه، قد تعصف بهم أسفل السلاليم.
عز عليه هذا القابع اسفل السلاليم، أشفق لحاله، ولا حيلة لديه سوى الاستدارة بسيارته والتوجه إلى أقرب قمامة؛ يواري من خلالها هذا الراس... إلا أن ضميره أبى أن يطاوعه .
جاب الشارع طولا وعرضا، أغلق عليه الأبواب ولم يستجب لأية توصيلة، عقل شارد وأفكار متضاربة لم تستقر على بر .
...لينعرج في آخر المطاف على بائع رؤوس وكراع بسوق شعبي، يحقه حق المعرفة، عرضه عليه؛ فتقبله بقبول حسن منه وبأبخس سعر.
سعر كان بمثابة مقابل، جب أجرة المأذونية وثمن الكازوال؛ لينهي يومه هذا بسلام. 
تأليف: أ. عبدالاله ماهل 
الدار البيضاء/  المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق