الاثنين، 26 أبريل 2021

يوميات مضيفة طيران
الحلقة 8
سور الصين العظيم
 نزلت سحر والمضيفات زميلاتها باكراَ الى المطعم حتى يحتسين القهوة قبل ذهابهن لمشاهدة سور الصين.
لويس كان هناك يحتسي القهوة ايضاً، مرتدياً ثياب الرحلات، منتظراً نزول المضيفات، حتى يذهب معهن.
 خرجت الصبايا من باب المصعد، يضحكن بصوت عال وبصخب...
لويس كان منتظرا سحر حتى تدعيه، لكن سحر القت عليه تحية فاترة، ولم تحادثه، مما استرعى استغرابه وتعجبه... 
لكنها ذهبت إلى قسم الاستقبال وأعطتهم رسالة إلى لويس قالت فيها انتظرني لن أتأخر، مودتي. 
وقالت لموظف الاستقبال، سلموا هذه الرسالة لصاحبها بعدما نغادر.
  جاء أحدهم وأخبر الصبايا، بوصول السيارة...  سحر تناست لويس تماماً وتظاهرت بعدم رؤيته...وسبب ذلك هي لا تريد زميلاتها أن يعرفن شيئاً عن سهرة أمس، خشيت أن يفضح كلام لويس بحسن نية أخبار السهرة، وعن انتخابها ملكة جمال، وبالتالي تطفو قصة حبها على السطح، وهي تريدها من اسرارها العميقة والرائعة في الوقت الحاضر...
وكانت تعزي ذاتها بأنها عندما تعود من الرحلة ستعتذر بشدة من لويس وتشرح له سبب تصرفها غير المقبول، لأن الأمور لها تداعياتها البعيدة، القيل والقال، والابداع في خلق الروايات، وهي لا تريد أن يجلسها أحد على كرسي الاعتراف... من أجل سين وجيم.
ومن سيصدق بأن سحر التي لم تفتح قلبها لأحد طيلة حياتها، تقع في الحب والعشق في ساعات قليلة... 
طيلة الليلة الفائتة كانت  تفكر كيف ستتجاهل لويس، وأخيرا قررت أن تتجاهل لويس تماما وقالت هكذا أحسن..
صعدن السيارة الواسعة والطويلة الفخمة، وهي عبارة عن حجرة مجهزة بكافة الخدمات، وخاصة النت وهو الأهم... 
يفصل حجرة الصبايا عن السائق نافذة زجاجية محكمة، لذلك كانت الصبايا يغنين أغنيات فيروزية وكلهن مرح وسعادة...ما عدا سحر التي كانت تتظاهر بتواجدها مع زميلاتها وهي ليست معهن، فكرها وقلبها عند لويس... ولم يعد يهمها سوى العودة الى الفندق حتى تلتقي مع حبيبها وتخبره سبب تجاهلها له...
فتح السائق النافذة بينه وبين البنات وقال: بالإنكليزية صباح الخير، انا اسمي سوكوتي، مرشدكم  السياحي، أرحب  بكم، أتمنى لكن رحلة جميلة، وبالمناسبة يوجد عندكن براد ملأناه هذا الصباح  بالطعام والشراب، هو خاصتكن بالكامل، ثم قال مبروك آنسة سحر ملكة جمال نادينا... سحر تفاجأت بالكلام وسرعان ما ارجعت البلور وأغلقت النافذة...
سألت البنات باستغراب، ملكة جمال ناديهم؟ 
قالت سحر مدير المعمل وزوجته  كانا يمزحان معي، ولقباني  بملكمة جمال ناديهم، نادي المعمل...
  وصلت السيارة الى مكان السور الذي يعبر العاصمة بكين...قال سوكوتي: تفضلن وصلنا:
 شرح السائق وهو دليل سياحي سابق، الكثير عن ذلك السور العظيم وقال إذا اردتن مشاهدة السور بكامله ستحتجن الى طائرة لأن طوله يتجاوز 6000 كم، لذلك سنكتفي بمشاهدة السور المار في بكين والقريب منها عبر الروابي والجبال... 
قال: بدأ انشاء هذا السور قبل الميلاد بمئتي سنة، والحقيقة استمر العمل فيه حتى القرن السابع عشر الميلادي، لكن اعمال الصيانة مستمرة فيه الى اليوم وسندخل الألفية الثالثة. وسنحافظ عليه الى الابد.
السور هذا أصبح رمزاً للصين، وقد اختارته اليونسكو ليكون واحداَ من عجائب الدنيا السبع، نظراً لتاريخه العريق منذ  الممالك الصينيّة القديمة، وسبب شهرته هي صعوبة  العمار عبر الجبال والوديان العسرة، وهو يعتبر واحداً من المواقع التراثية على مستوى العالم. لأنه يجسد التعب الإنساني الكبير...وعرق ملايين البشر.
سحر قررت العودة الى الفندق متحججة بانها متعبة ورأسها يؤلمها... وهي في الحقيقة لم تعد تتحمل البعاد عن لويس واحساسها بانها سببت لحبيبها التعاسة لعدم دعوته للنزهة معهن. لذلك استعجلت، وقطعن الرحلة... 
أخذت تبحث عنه ملهوفة، في أماكن جلوسه المعتادة، لكنها لم تجده، فسألت موظفي الاستقبال الفندق عنه؟  
 قالوا لها السيد لويس غادر الفندق منذ الصباح... وصلته برقية من دمشق. زوجته تعاني من ولادة متعثرة. مما يتوجب اجراء عملية جراحية، وهي بحالة حرجة...  
سألت باستغراب وهل السيد لويس متزوج؟  قالوا لها متزوج  واليوم سيصل ولده الرابع...
لم تستطع انتظار المصعد، صعدت الدرج قفزاً والدموع تنهمر من عينيها، وهي تصرخ يا حقير، يا أحقر الناس، لقد خدعتني بنظراتك وكلامك...
دخلت غرفتها وأخذت تصيح كالمجنونة، انت متزوج ولك أربعة  أولاد يا أحقر الناس،  كذلك تهديني ثوب سهرة، وتلبسني عقد الماس...وراقصتني وهنأتني عندما انتخبوني ملكة جمال وقبلتني بقبلات اجتازت كل حواجزي...
سحبت الثوب الهدية من الخزانة ووضعته  تحت حذائها ومزقته تمزيقاً، وقالت خذا هذا الثوب لزوجتك  يا خائن وليس لي،  ثم جاءت بالعقد الماسي وقالت هذا العقد مزيف،  كما أنت مزيف يا خبز وملح حتى انت لا تستحق  قطعة الخبز ورشة الملح، وقطعت العقد بعصبية  ورمته من نافذة الفندق، وهي لا تزال تصرخ وتبكي وتقول يا حقير، يا أبو اربعة أولاد... وبكت ، وبكت، حتى انهكها التعب ثم دخلت تستحم  حتى تزيل كل ما كان عالقاً عليها من بقايا يوم أمس، وجلست على السرير، ولم تكف عن البكاء والنحيب والشتائم...
 روت لأختها المصيبة التي سببها لها انسان دجال حقير...ذئب من الذئاب بثياب حمل...
وبقيت طيلة الليل  تبكي على تسرعها في عواطفها مع مجهول لا تعرف عنه حالاً...   
في صباح اليوم التالي  كانت خارجة   للذهاب للمطار مع زميلاتها  موعد رحلة العودة، واذ موظفة من الفندق قالت لها: السيد لويس سلمني هذه الرسالة، وقال اعطيك إياها شخصياً، ولم أجدك أمس، وانتهت مناوبتي وذهبت لبيتي، تفضلي ها هي.... 
وضعت الرسالة في حقيبة يدها بسرعة،  ورافقت زميلاتها الى سيارة المطار. وهي تمتم بذاتها الحقير يرسل لي رسائل حب بعد...
في الطائرة جلست بمعقد منفرد تسترجع قصة الحب  السريع الذي انقلب الى مأساة...وقررت نسيان هذا المخادع واجتثاثه من فكرها وقلبها...
كانت المضيفات  في غاية السعادة ودلع تقص عليهم حكايات وتمثل بيديها وتقلد أصوات أشخاص زملائهن في المطار...وتقلد الكابتن سليم خاصة... وتلمح بحديثها  عن اهتمامه بزميلتهن سحر... الذي كان يكلمها بشكل مختلف عن زميلاتها، كما كان يطلب قهوته من سحر تحديداَ، والبنات يضحكن، وقالت دلع الخطوبة باتت قريبة يا بنات عليكن تحضير انفسكن للمناسبة...  بينما سحر لم يكن كابتن سليم  في ذهنها اطلاقاً ...وحبها الوحيد كان لذاك المخادع، حب بدأ بسرعة فوق السحاب، وانتهى بسرعة على الأرض... 
سحر كانت عيناها حمراوان، عرف زملاؤها بانها كانت تبكي، لكنهم تناسوا السؤال، لعلمهم بانهم  مهما حاولوا أن يعرفوا سر بكائها أو احزانها، لن تبوح وهي تكتم أسرارها بشدة...
في الطائرة  كانت  تقوم بواجب الضيافة،  وعيناها تشدانها حيث كان يجلس لويس الذي سرق قلبها... ثم جلست بمقعد محايد، وأرادت  سحب موبايلها لتخبر اختها حتى تحضر السيارة الى المطار لا تريد العودة مع (باص المطار)...لمحت ظرف الرسالة، ومن باب الفضول، أحبت أن تعرف ماذا يقول، هذا المخادع...في كل الأحوال لا يعنيها الأمر مهما كان...لأن  لويس مات وانتهى...
وحتى لم تريد أن تصلي له صلاة الجنازة. ولا الترحم عليه.
كاتب القصة: عبده داود
الى اللقاء في الحلقة التاسعة
الحلقات السابقة متوفرة للجميع مجانا في: 
(مجموعة يوميات مضيفة طيران

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مدينة الحب.. .................. مدينة محاطة بسياج  من وردات الياسمين رائحة ذكية تنشر شذاها  بعبق الرياحين  وجوه مبتسمة ليست بعابسة  وأيادي ت...