الأحد، 12 نوفمبر 2023

ماتبقى ‏من ‏الحياة ‏/ ‏قصة ‏قصيرة ‏بقلم ‏عبد ‏الغفور ‏مغوار ‏

ما تبقى من حياة
- "أنا آسف، شيرين، ولكن لقد تم استنفاذ كل الإمكانيات."
همس الدكتور فريد بصوت محمل بوزن لا يُحتمل، كلماته كانت ترن كنبوءة مأساوية في أروقة العيادة، مخترقة قلبي المتضرع بالفعل.
- "هل تعني أنه لا يوجد أي أمل للطفي؟"
كلماتي ارتجفت، ضعيفة أمام حجم الخبر.
- "أخشى أن ليس كذلك. لقد تقدم المرض بعيدًا جدًا عن إمكانياتنا."
صوته كان هادئًا، لكن كل كلمة كانت كسيف حاد يتسلل إلى جناني.
كانت هذه الكلمات ترتجف في أذني، لا مفر منها، تجمد جسدي بحزن ممزوج بالغضب. الدموع كانت تتصاعد، حارة ومريرة.
- "لا، هذا غير ممكن."
همهمت، رافضة هذه الحقيقة بلا هوادة:
- "يجب أن يكون هناك شيء يمكننا القيام به."
رفع الدكتور فريد رأسه، وعيناه مملوءتان بالتعاطف العميق:
- "أنا حقًا آسف، شيرين."
منغمسة في قلق محدق، اندفعت نحو غرفة الطفل لطفي. كان هناك، ممددًا، وجهه الشاحب يتناقض مع الأسرة البيضاء الناصعة. عند اقترابي، انفتحت عينيه، لوح بابتسامة خافتة على شفتيه المنهكتين. نطق بصوت خافت:
- "لا تبكي عليّ. يا أمي."
- " لطفي، ولدي، لا أستطيع أن أتخيل فقدانك." أجهشت وأنا أشد على يده الباردة بيدي المرتعشتين.
ضغط عليهما برقة، ونظره متجه نحو عيني وهو يهمس بالكاد:
- "ربما الشفاء الحقيقي لا يوجد في هذا العالم، أمي. ربما يكمن في مكان آخر، حيث لا تطول المعاناة."
بهذه الكلمات، تلاشى نظره، انطفأت أنفاسه الأخيرة من شفتيه. صرخة وتنهيدة انبعثتا من حلقي، كان لهما صدى عال في الغرفة الفارغة.
رحل لطفي، لكنه وهب لي حقيقة غير متوقعة. ربما أن الشفاء الحقيقي فعلا لا يكمن في هذا العالم، ولكن في العالم الآخر. ومع هذا التفكير، غمرتني سكينة غريبة. لقد تحرر لطفي أخيرًا من آلامه.
بعد أسابيع من الكفاح ضد اليأس، كانت شيرين تحمل ألبوم الصور بين أصابعها المرتجفة. وقفت في زاوية هادئة من المنزل، تقلب الصفحات، عيناها تتجولان بين صور مجمدة في الزمن، شاهدة على فترة غيّرت مجرى حياتها. كانت تحمل الألبوم بحرص، كما لو كان كنزًا هشًّا يجب الحفاظ عليه. كانت الصفحات تكشف عن ابتسامات جامدة، لحظات سعادة ملتقطة، وشرود الحياة في صور.
كانت هاته الصور تروي قصة: لطفي، البكر، دائمًا موجود، طيب المزاج، ركيزة في حياتها. كانت  تخلد ضحكاتهم، لحظات التآزر، الاحتفالات العائلية، والرحلات، وقبل كل شيء، لطفي، كان هناك دائمًا، جاهزًا لتقديم أفكاره الحكيمة.
ولكن بين هذه الذكريات السعيدة، تبرز صورة واحدة، تلك الردهة الفارغة من المستشفى، المتسللة بضوء باهت، وهي تبرز الأبواب البيضاء المرقمة. في الخلفية، صورة ظليلة، شيرين، تقف أمام الغرفة رقم 306، نظرها ينطبع بقلق لا يوصف. كانت تذكيرًا محطمًا بالوداع الأخير. كبتت شيرين دموعها، تناضل ضد ألم متمسك، حيث يتسلل ذكرى تلك اللحظة إلى عقلها، يهتز مثل جرح مفتوح.
الصور في الألبوم كانت ثابتة، لكن بالنسبة لشيرين، كانت حياة تعاش مرات أخرى. كانت أكثر من مجرد صور؛ كانت قطعًا من ماضٍ يتدفق بالمشاعر واللحظات الثمينة. احتضنتها، وتمنت بشدة أن تعود إلى تلك اللحظات، تعيد كتابة القصة، لكن الواقع استمر، قاسيا ولا هوادة فيه.
أغلقت الألبوم بعناية، حافظة على هذه الذكريات الخالدة في قلبها. كانت تظل شاهدة على حياة لطفي، وعلى الدرس الذي تركه لها: قبول إمكانية شفاء تتجاوز حدود هذا العالم.
لحظة فراق لطفي والدقائق التي سبقتها بكل تفاصيلها ظلت لصيقة بمخيلتها وكأنها مشهد من القصة تعيشه للمرة الأولى.
عبد الغفور مغوار - المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق