نزولا عند طلب أكاديمية الثقافة العربية بالمشاركة حول دور الإعلام في إحداث نقلة نوعية بالمجتمع العربي فإننا ندلي بدلونا.
أولا لابد من معرفة الأهداف الرئيسية التي نبتغي تحقيقها ونحددها ليتم توجيه المجتمع ككل نحو تحقيقها وذلك بأن تصير جزء من ثقافة المجتمع ويتبنى تحقيقها بكل ماأؤتي من القوة سواءا بالمال أو النفس أو الدعاية والإعلام.
فالإعلام بمقدوره أن يخلق وعيا مجتمعيا وهو عنصر مهم للدفاع عن الهدف.
وبالتالي إذا أقتنع الشخص والمجتمع بالفكرة فقد حصنت المجتمع من الإختراق بل وجعلت ذلك المجتمع هو صمام الأمان لنجاح تلك الأهداف، فالشخص وكذلك المجتمع هو أسير لقناعته والتي تم غرسها في العقل الجمعي وفقا للمنطق والحجة والبرهان والمصير المشترك.
فمثلا نحن كأمة مستباحة ذليلة منكسرة فقدت مشروعها الجامع فأصبحت من ضمن مشاريع الأخرين.
لماذا لايكون هدفنا هو قيام مشروع أمة جامع تعز فيه هذه الأمة منطلقين من قوله تعالى (( وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فأتقون)) المؤمنون.
فإذا كانت أوربا قارة واحدة والمواطن الأوربي يتنقل فيها كيفما شاء ويستقر أينما أحب، فحري بنا أن نكون نحن الأولى بذلك.
ثم مالذي ننتظره من صفعات ونكبات أكثر مما نحن فيه لنعيد النظر بتصحيح إتجاه بوصلة الأمة، ألا يكفي ضياع الف وأربعمائة سنة ونحن في تيه وذل وإنكسار إلا ماندر.
ثانيا / يجب علينا دراسة المعوقات والعقبات والتي تقف حائل دون تحقيق الأهداف سواءا أكانت مادية أو تاريخية أو حتى ثقافية مغلوطة متنافية مع التوجيهات الإلهية لقيام أمة وسطا لها دور ريادي على مستوى الأمم كمبلغ وشاهد.
ثالثا / النقد الذاتي لأنفسنا كمسلمين وسلوكنا وأنفصامنا عن المفهوم الحقيقي لديننا الحنيف وهذا يتطلب نقد الكتب البشرية التي وصلتنا ولانعتقد أن هناك كتابا مقدسا غير القرأن الكريم.
رابعا / ماهي الوسائل والأمكانيات لتنفيذ الهدف.
وتندرج تحت هذا البند كثير من الخطوات وأهمها الإعلام.
وفي البدء نبدأ بهذه المقدمة :_
الكتابة ليست حرفة بقدر ماهي حالة وجدانية تتملك الشخص ويُلقي الله على لسانه كلاما يقف الشخص نفسه مذهولا كيف تسنى له أن يقول ذلك الكلام المعبر عن حالة وجدانية.
لذلك لاتتعجبوا أن وجدتم كاتب أوصل فكرته بإنسيابية ودون تكلف بحيث يسافر بالقاريء سفرا شيقا يدفعه فضوله ليكمل خط السير حتى نهاية المقال. فمتى ماوجدت كاتبا أستطاع أن يشد إنتباهك ويجذبك بسحر كلامه وحلاوة منطقة ودقة ملاحظاته وتسلسله بنقل أفكاره لتخدم الفكرة الإجمالية التي هي لب المقال، فذاك قطارك الذي توجب أن تصعد إليه للتنزه بين الحدائق الوارفة لتستظل بالفكرة وترتوي بالمعرفة، وترشف رحيقا خالصا كالنحل ونحن لاندعي بأننا من أؤلئك الكتاب.
فليست المعرفة متاحة في وسط هذا الزيف والكذب والخداع إلا ماندر، حيث تتطلب المعرفة الخالصة والصادقة أن تتجرد من شهواتك ورغباتك وحزبك ومذهبك وعشيرتك ومناطقيتك وحتى كثير من التاريخ الذي وصل إليك يجب أن تتفحصه وتعيد النظر فيه.
حيث من المعلوم أن التاريخ يكتبه المنتصر، وقد حصلت تقلبات سياسية ولم يكن للإعلام حينها وجود كما هو عليه حالنا اليوم.
لذا كان المنتصر هو من يفرض رؤيته الأحادية ويعممها حتى على خطباء المساجد ورجال الدين، بل وصل الأمر أن دسوا كثير مما سموه أحاديث زورا وبهتانا بإسم المصطفى صلى الله عليه وسلم وذلك ليدجنوا الأمة لتكون طوعا للحاكم يفعل بها مايشاء وكيفما شاء حتى وصل الأمر أن قالوا زورا على سيدنا رسول الله صلوات ربي عليه وأله وصحبه وسلم فيما معناه (إسمعوا وأطيعوا ولو ولي عليكم عبدا حبشيا كأن رأسه زبيبة، وإن جلد ظهرك وأخذ مالك).
وأدخلوا مصطلحات على الأمة بتصفية خصومهم ماأنزل بها من سلطان فتارة بإسم قتل المرتدين وتارة بإسم إدعاء النبؤة، وغيرها.
نحن هنا لاننكر بأنه ربما هناك من أدعى النبؤة، لكن بالجانب الأخر هناك معارك بهذا الصدد ربما كانت سياسية وكانت هدفها إخضاع مناطق معينة كانت لها توجهات ورؤى مغايرة للمركز.
إذا قدست التاريخ على حساب الدين فتلك هي الكارثة، وإذا كان الحديث هو مرجعك دون موافقته للمرجع الأول وهو القرأن الكريم فتلك هي الكارثة.
أمام هذه المقدمات والتي شكلت الأساس لبناء ثقافة معينة للأمة العربية والإسلامية بما تحويه من كتب فيها الغث والسمين، وجدنا أنفسنا ننساق بدون وعي وتدقيق لموروث ثقافي أخذ صفة القداسة ومن خرج عليه تم تكفيره والزج به بالسجون، بل والقتل في كثير من الأحيان بتهمة الكفر والزندقة.
لهذا وجدنا المفكرين كإبن رشد وغيره لم تستفد الأمة من فكرهم ونالهم مانالوا. بل على العكس تركوا أثرهم بمعرفة أستنارت بها أوربا.
أما نحن كأمة عربية ظلينا نتغنى بالمذاهب الأربعة وتوقفنا عندهم رغم أن الله عز وجل نهانا عن التمذهب والتفرق وبالذات في الدين لقوله تعالى (( أن أقيموا الدين ولاتتفرقوا فيه)) لكنهم خدعونا بقولهم الإختلاف رحمة، فإذا كان الإختلاف رحمة، فماذا عن التوحد؟! .
لذا هجرنا القرأن الكريم وقلنا فيه بأنه حمال أوجه، ووجهنا أنفسنا وكذلك الأخرين لما أسموه سنة وأحاديث.
لانريد أن نتوسع بهذا لكن كوننا نتكلم عن الإعلام ودوره في قيام أمة كان لابد أن نعرج على الأساس الذي ننطلق منه لندرك أن المقدمات الخاطئة تقود لنتائج خاطئة، والواقع الذي عاشته الأمة فيما مضى وفي عصرنا الحاضر وكذلك في قادم الأيام هو نتاج لتلك الثقافة التي بعدت عن جوهر الدين الحنيف.
لذا حتى نرسم إعلاما مؤثرا في صيرورة ثقافة المجتمع علينا أن لانقدس التاريخ وبالذات على حساب كتاب الله عز وجل.
وكذلك نحن بحاجة لإعادة تصحيح الثقافة الدينية المغلوطة والتي لايقرها القرأن الكريم ولا أخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا يقرها العقل والمنطق.
عندما نصفي تلك العوالق الفكرية من تراثنا الديني، يمكن أن نبدأ أن نرسم معالم الطريق ونوجه البوصلة بالإتجاه الصحيح لنخرج من النفق المظلم الذي نعيش فيه منذو زمن وعندها نتسلح بثقافة صحيحة تكون هي الشعلة الإعلامية التي من خلالها نرسم معالم الطريق.
مانلاحظه أن وسائل الإعلام عليلة كإعتلال ثقافتنا وسلوكنا وتربيتنا التي تارة تكون منشأها إما إنفصام بين مانعتقد وبين أقوالنا وأفعالنا، أو هي نتاج ثقافة مغلوطة غرست باللأوعي الجمعي للمجتمع ، ولهذا فإن الأساس الذي ننطلق منه فيه خلل، لذا فسوف نجد أثر تلك الثقافة في المجتمع بشكل سلبي.
فنجد البيت لاتقوم بدورها وكذلك المدرسة والجامعة والمسجد إلا بالحد الأدنى.
ضف أن وسائل الإعلام تتكلم عن قضايا جانبية كالحب والغرام والهيام وهذا بدوره يصرف الشباب عن لعب دور أساسي في قضايا أمتهم.
فماذا تتوقعون وبالذات عندما تنشر المسلسلات الهابطة للكبار والصغار والتي تخلق وعيا سلبيا يوجه المجتمع نحو أهداف تم التخطيط لها مسبقا من أعداء الأمة، ليتم إشغال الأمة بقضايا جانبية، بينما يخلو الجو لأعداء الأمة لينهشوا بجسد هذه الأمة المريضة.
الإعلام يستطيع أن يغير ثقافة مجتمع إما سلبا أو إيجابا.
ونحن أستطاع إعلامنا أن يطعن الأمة في مقتل ومازال إما بوعي أو بدون وعي وهو الغالب.
إذا أردنا أن نصحح المسار نحن بحاجة لتصحيح القاعدة التي ننطلق منها وهي كيف نكون مسلمين كما أرادنا الله عز وجل وفقا للقرأن الكريم، ونترك المذهبية والحزبية والمناطقية.. الخ.
ثم نقف عند مراد الله عز وجل من هذه الأمة بأن لها دور محوري على مستوى العالم كأمة وسطا لنكون أهلا للشهادة على غيرنا.
وأخيرا لم تأت الرسالة المحمدية لتنقلنا من قول لقول، بل من قول لفعل.
هذا الموضوع بحاجة لوقفة علمية وتحرك جاد على كل المستويات لوضع الخطط والأستراتيجيات والدراسات ومن ثم وضع المعالجات والخروج برؤية متكاملة بما يمكن من جعل الإعلام العربي يخرج من حالة الشلل التام والذي يمتزج بالنفاق والتواري وعدم وضع النقاط على الحروف ليتسنى إعادة توجيه بوصلة الأمة لقضاياها العادلة وربط المواطن العربي بتلك الأهداف. يجب أن يكون لنا مشروع جامع كأمة عربية وفقا لمراد الله عز وجل.
مالم سنجد أنفسنا من ضمن مشاريع الأخرين.
بقلم د/ طالب المعمري