----------------------------------------
ابنتي تفيق فجأة بين فينة واخرى تطلق صرخة جريحة ،تنام من جديد
أيّة أحلام تزعج الطفلة؟ ،البارحة ضربتها بقسوة ،لأنني اكتشفت، أحبّها حقا ،يبدو أنّ عليّ أن أعيد النظر في الكثير من أيماني ،اليوم ما تأوَل تفيق مذعورة في الليل ،حاولت حملها قبل لحظات ،فملأ صراخها القرية
من يدّل الاطفال على حقيقة آبائهم هم بعد في المهد؟ ،أيهذا الليل ،أما تدلني على الطريقة التي تشنق بها نجومك ،فتعلقها في صفحة الجلد المعتم ،تظل ترنو اليها دون ألم أو ضجة؟ ،أمرّ بيدي على رأسي ،أفرك عينيّ ،حمرة أجفانها تنتحب ،فلا جناح سنونو مهاجرا يخفف حمرتيهما ،جناح غراب
وحيد مقطوع يلوّح خلف النافذة المغلقة... زنبقة صغيرة أحضرتها يوما الى شرفتي زرعتها في حوض كبير امتدت اوراقها وطالت بخطوط زرقاء وبيضاء ساقها السمراء تتبرعم في الليل أزاهير بيضاء حتى اذا طلع الصباح أكلتها عيون الضوء فذبلت وخلفت في اهابها حفرة الموت
عمر ازاهيرها بعمر الحبّ الذي يولد في الليل وتذبل مع الصبح لهذا أحبّها
وأتعهدها دوما بالرعاية والسقي... منديل أزرق جليدي يعرش على صفحة السماء ،شبح انسان يسترق الخطى على السطوح ،أيها اللص لن تجد في بيتي ما تسرقه حتى حريتي بعتها في المزاد ،يوم قنعت من المعركة بالسجن ،أهرب بعيدا ،اختف يا وجه الشؤم ،قبل أن تسحقك حريتي المصلوبة على مفترقات الطرق حيث زرعها من سبقك من اللصوص هناك ،جوقة الديكة ،ترسم في السماء دموعا نادبة معولة ،على أعواد الليل ،تتهدل أجساد مئات الليالي ،المؤرقة الجائعة ،لرائحة الشموع مذاق خاص
لذعه الملح تحت اللسان ،يحملها جسد الريح ،عذب البحر طويلا بحماه
وعاد للتو بعد ان هدّه التعب... سجّان بعينيه الشامتتين يقدم لي أوراق خضراء ،قلم لأكتب ما أريد ونختفي ،دخلت الديمقراطية ما بين قضبان السجن ،في الصباح سأعيد اليه أوراقه ،فارغة كعينيه الضيقتين ،قطار مُلاحق بالأشباح يمر كل فجر من قريتنا ،تردد نواحه الابعاد ،على متنه تسافر أمنيه وحيدة يتمٌ ،أطلقها كل ليل ،لكني لا أكتبها على أوراق السجان
أيها القطار ،خذني الى الطرف الآخر للقرية ،لأسهر حتى الصباح ،على حافة السرير الذي ينضج بالدفء ،قبل أن نفيق ،أعدك قبل أن تفيق ،سأغادر عائدا الى سجني ،أيها القطار ،ما أقاسك ،لا يوازيك في القسوة غير هذا الليل ،يصّر عليّ العودة كل يوم ،الأزاهير البيضاء ، تطل بوجوهها الفضة من بين أوراق زنبقتي ،عما قليل ،ستغشاها الصفرة
يعتروها الذبول ،على حافتيّ الزورق ،تتهدل أهداب الظلال ،نستحم في البحيرة الصغيرة المنفية... عصفور جيراننا السجين يرتفع صداحه عصفورنا السجين ،لا يستطيع حتى أن يغني ،يكتفي بالتحديق بعيدا ،بصمت ،بمذلة ،يلقي بمراسي شوقه العتيد ،بإصرار قرصان عزوم الى الطرف الآخر من القرية ،كثير من أعقاب اللفائف ،كأسان صغيران فارغان ،شمعتي تنطفئ ،الصمت يتفصد من جدران سجني التي تضيق
جاري يستيقظ نشطا به شوق الى مغازلة امرأته ،بينما يرحل ظل معتم
يغادر حافة سرير منامهم ،في الطريق الآخر من القرية ،على السطوح تختفي خطوات مجهول ،أفرغتها جوقة العصافير ،المهللة للمنديل الازرق الجليدي ،يعرش لبلاده غبار ميت على سطوح السماء
**********
المفرجي الحسيني
عصفور سجين صرخة جريحة
العراق/بغداد
5/8/2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق